متن المقدمة
لمحمد ابن يوسف السنوسي


الأحكام

الحكم إثبات أمر أو نفيه، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: (1) شرعي (2) وعادي (3) وعقلي.

          فالشرعي خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب والإباحة والوضع لهما.

          ويدخل في الطلب أربعة: (1) الإيجاب[1] وهو طلب الفعل طلبًا جازما كالإمان بالله[2] وبرسوله[3] وكقواعد الإسلام[4] الخمسة، (2) والندب وهو طلب الفعل طلبا غير جازم كصلاة الفجر ونحوها،[5] (3) والتحريم، وهو[6] طلب الكف عن الفعل طلبا جازما كالشرك والزنا ونحوهنا،[7] (4) والكراهة وهي طلب الكف عن الفعل طلبا غير جازم كقراءة القرآن مثلا[8] في الركوع والسجود.[9]

          وأما الإباحة فهي إذن الشرع في الفعل والترك معا[10] من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.

          وأما الوضع فهو عبارة عن[11] نصب الشارع إمارة على حكم من الأحكام الخمسة سواء كان ذلك المجعول[12] وهي السبب والشرط والمانع.

          فالسبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته كزوال الشمس لوجود الظهر.

          والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته كتمام الحول لوجوب الزكاة.  والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته كالحيض لوجوب الصلاة.

          وأما الحكم العادي[13] إثبات الربط بين أمر وأمر وجودا أو عدما بواسطة التكرر مع صحة التخلف وعدم تأثير أحدهما في الأخر البتة.  واقسامه أربعة: (1) ربط وجود بوجود كربط وجود الشعب بوجود الأكل، وربط عدم بعدم كربط عدم الشبع بعدم الأكل، وربط وجود بعدم كربط وجود الجوع بعدم الأكل، وربط عدم بوجود كربط عدم الجوع بوجود الأكل

          وأما الحكم العقلي فهو إثبات أمر ونفيه من غير توقّف على تكرر ولا على وضع واضع.  وأقسامه ثلاثة: (1) الوجوب، (2) والاستحالة، (3) والجواز.

          فالواجب ما لا يتصور في العقل عدمه إما ضرورة كالتحيّز للجرم، وإما نظرا كوجوب القدم لمولانا جلّ وعزّ.[14]

          والمستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده إما ضرورة كتعري الجرم عن الحركة والسكون وإما نظرا كلا شريك لمولانا جلّ وعزّ.

          والجائز ما يصح في العقل وجوده وعدمه إما ضرورة كالحركة لنا، وإما نظرا كتعذيب المطيغ وإثابة العاصي.


المذاهب

المذاهب في الأفعال ثلاثة: (1) مذهب الجبرية (2) ومذهب القدرية (3) ومذهب أهل السنة.

          فمذهب الجبرية وجود الأفعال كلها بالقدرة الأزلية فقط من غير مقارنة لقدرة حادثة.

          ومذهب القدرية وجود الأفعال الاختيارية بالقدرة الحادثة فقط مباشرة أو تولّدا.

          ومذهب أهل السنة وجود الأفعال كلها بالقدرة الأزلية فقط مع مقارنة الأفعال الاختيارية لقدرة حادثة لا تأثير لها لا مباشرة ولا تولّدا.

          وأما الكسب فهو عبارة عن تعلق القدرة الحادثة بالمقدور في محلها من غير تأثير.


أنواع الشرك

وأنواع الشرك ستة: (1) شرك الاستقلال وهو إثبات إلاهَين مستقلّين كشرك المجوس، (2) وشرك التبعيض وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى، (3) وشرك تقريب وهو عبادة غير الله تعالى ليقرب إلى الله زلفى كشرك متقدمي الجاهلية، (4) وشرك تقليد وهو عبادة غير الله تعالى تبعًا للغير كشرك متأخري الجاهلية، (5) وشرك الأسباب وهو إسناد تأثير للأسباب العادية كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك، (6) وشرك الأغراض وهو العمل لغير الله تعالى.

          وحكم الأربعة الأولى[15] الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل:  فمن قال في الأسباب العادية انها تؤثر بطبائعها، فقد حكي الإجماع على كفره، ومن قال انها تؤثر بقوة أودعها الله تعالى فيها، فهو فاسد مبتدع، وفي كفره فولان.

          وأصل الكفر والبدع سبعة: (1) الإيجاب الذاتي وهو إسناد الكائنات إلى الله تعالى على سبيل التعليل والطبع من غير اختيار، (2) والتحسين العقلي وهو كون أفعال الله تعالى وأحكامه موقوفة عقلا على الأغراض وهي جلب المصالح ودرء المفاسد، (3) والتقليد الرديء وهو متابعة الغير لأجل الحمية والتعصب من غير طلب للحق، (4) والربط العادي وهو ثبوت التلازم بين أمر وأمر وجودا وعدما بواسطة التكرر، (5) والجهل المركب وهو أن يجهل الحق ويجهل جهلة به، (6) والتمسك في عقائد الإيمان بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير تفصيل بين ما يستحيل ظاهره منها وما لا يستحيل، (7) والجهل بالقواعد العقلية التي هي العلم بوجدوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات باللسان العربي الذي هو علم اللغة والإعراب والبيان.


أنواع الموجودات

الموجودات بالنسبة[16] المحل والمخصص أربعة أقسام: (1) قسم غنيّ عن المحل والمخصص وهو ذات مولانا جلّ وعزّ،[17] (2) وقسم مفتقر إلى المحل ولا مخصص وهو الأعراض، (3) وقسم مفتقر إلى المخصص دون المحل وهو الأجرام، (4) وقسم موجود في المحل ولا يفتقر إلى مخصص وهو صفات مولانا جلّ وعزّ.

          الممكنات المتقابلات ستة: (1) الوجود والعدم، (2) والمقادير، (3) والصفات، (4) والأزمنة، (5) والأمكنة، (6) والجهة.[18]


صفات الله

(1) والقدرة الأزلية عبارة عن صفة يتأتي بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وقف الإرادة.

(2) والإرادة صفة يتأتي بها تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه.

(3) العلم صفة يتكشف بها المعلوم على ما هو به.[19]

(4) والحياة صفة تصحح لمن قامت به الإدراك.[20]

(5) والسمع الأزلي صفة ينكشف بها كل موجود على ما هو به[21] انكشافا يباين غيره ضرورة.

(6) والبصر مثله، والإدراك على القول به مثلهما.

(7) والكلام الأزلي وهو[22] المعنى القائم بالذات المعبّر عنه بالعبارات المختلفات، المباين لجنس الحروف وللأصوات، المنزّه عن البعض والكل والتقديم ولا تأخير والسكوت[23] واللحن والإعراب وسائر[24] التغيّرات، المتعلق بما يتعلق به العلم من المتعلقات.

(8) والكلام يتقسم إلى (1) خبر (2) وإنشاء.

          فالخبر ما يحتمل الصدق ولا كذب لذاته.

          والإنشاء ما لا يحتمل صدقا ولا كذبا لذاته.  والصدق عبارة عن مطابقة الخبر لما في نفس الأمر، خالف الاعتقاد أم لا، والكذب عدم مطابقة الخبر لما في نفس الأمر، وافق الاعتقاد أم لا.


الإمانة

والإمامة حفط[25] الجوارح الظاهرة والباطنة من التلبس بمنهى عنه نهي تحريم أو كراهة.  والخيانة عدم حفظها من ذلك.


وبالله تعالى التوفيق.



[1] ل يزيد: ولانجدب ولاتحريم والكراهة، فالإجاب.  في هذه التعليقات ل = Luciani ، أ = Escorial

[2] ل يزيد: تعالى

[3] ل: وبرسله

[4] ل: وكالقواعد

[5] أ بحاشية: كصلاة الفجر ومحوها

[6] ل ينقص: وهو

[7] أ بحاشية: كالشرك والزنا ونحوهنا

[8] ل ينقص: مثلا

[9] أ بحاشية: كقراءة القرآن مثلا في الركوع والسجود

[10] ل يزيد: كالنكاح والبيع مثلا

[11] ل ينقص: عبارة عن

[12] ل يتقص: سواء كان ذلك المجعول

[13] ل يزيد: فهو

[14] ل عوض "عز": علا

[15] ل: الأول

[16] ل: باعتبار

[17] ل: عوض "جل وعز": تبارك وتعالى

[18] ل: والجهات

[19] ل: عليه

[20] ل: عوض "الإدراك": أن يتصف بالإدراك

[21] ل: عليه

[22] ل: هو

[23] ل يزيد: والتجدد

[24] ل يزيد: أنواع

[25] ل يزيد: جميع